عوامل النهضة العلمية في العهد المرابطي
أزهر عاصمة علمية
عوامل النهضة العلمية في العهد المرابطي
أزهر عاصمة علمية

 

لقد اقترن عصر أمير المسلمين علي ابن يوسف بنهضة علمية زاهرة اتسع بها أفق المدارك العلمية بمراكش الحمراء في ذلك العصر الذي ظهرت فيه الدولة المرابطية ، بمظهر التعمير والإصلاح لأول مرة في تاريخ المغرب لما اتخذته من الوسائل الناجعة للنهوض بالشعب المراكشي، إلى مستوى يساير فيه الشعوب المتمدنة في الشرق والغرب مما أصبحت به عاصمتهم الجنوبية كأزهر عاصمة علمية يحفظها التاريخ.

ولقد اجتمع فيها من أسباب العمران ولواحق التمدن ، مما يتجلى في نهضتها العلمية والأدبية ،تلك النهضة التي يرجع ظهورها في حلتها الجديدة إلى عوامل شتى من أهمها :

المشاريع  العمرانية وتوافد المفكرين:

لُم شِعْثُ الدولة المغربية تحت لواء واحد وسلطة متحدة يرأسها رجال ماهرون قبضوا على ناصية الحكم بيد حديدية وقوة فولاذية ،قضت على الفوضى التي كانت تعم المغرب الأقصى لإضراب قبائلها وضعف دويلاتها التي كانت قائمة في كل زاوية من زواياه ،قبل ظهور دولة الإصلاح المراكشية التي جعلت العدل رائدها في سائر المشروعات العمرانية التي اتخدتها في أرجاء المغرب. وكان في مشروعاتها العمرانية جلب أساتذة ومفكرين من عواصم الأندلس للقيام بتدبير الشؤون العلمية والإدارية ،في عاصمة ابن تاشفين مما كان له أثر في النهوض العلمي والسمو الثقافي في ناشئة الجنوب.

مراكش مركز المعارف الفقهية:

لما تم لعلي ماكان يرمي إليه من الإصلاح الإداري,واعترفت بولايته وزعامته الخلافة العباسية,ألفت نظره الى المعارف الاسلامية فأعطاها حظها الأوفى من العناية,حيث جلب لحضارته من أهل كل فن فحوله,لتضم معارفهم إلى معارف مافيها من الفقهاء والعلماء والزهاد والمتبتلين,مما ازدهرت به الأسواق العلمية حتى تقدمت المعارف السلفية تقدما محسوسا أخذت به مراكش مركزها العلمي بين كبريات العواصم, حيث شملت العناية الملكية كل من قدمته معارف دينية, سيما المعارف الفقهية التي كانت إليها الرئاسة العليا في ذلك العهد الذي أصبح فيه القانون المالكي نافذ المفعول, يتخلل المنقول والمعقول,تروج فيه الأندية بضائعه,وتربح المتفقهين فيه تجارته’بما يسبله أمير المسلمين على الفقهاء من العطايا,ويغدق عليهم من النعم والهدايا لشدة إيثاره لإهل الفقه  والدين, واتباعه في سائر الأمور سبيل المؤمنين,حيث أصبح لا يقطع أمرا في جميع مملكته بدون مشاورة الفقهاء الذين خصص منهم مشاورين أربعة لجميع قضاته جعلهم كدستور يرجع إليه  القضاء في جميع أطواره,وقد أمر القضاة أن لا يقطعوا أمرا ولا يبتوا حكومة في صغير من الأمور ولا كبير,إلا بمحضر الأربعة المشاورين.

تأسيس المعهد اليوسفي الكبير:

من أهم عوامل النهضة العلمية تأسيس المعهد اليوسفي الكبير كجامعة علي وضعت لتكون منبرا عاما لثقافة العمومية بمراكش الحمراء ، ثم اتسع نورها حتى أصبحت مركزا رئيسيا لثقافة بمراكش والجزيرة لما انتقل إليها من الحضارة التونسية والأندلسية مع أولئك المفكرين الذين انحدروا إليها واتخذوها دار هجرة ومقر استيطانهم, تقربا للبلاط المرابطي, ورغبة في بث العلم والأخلاق الفاضلة .فلما كثر العلماء وتوافر عدد الطلاب بالحمراء فكر أمير المسلمين علي في إنشاء جامعة إسلامية يكون لها في مستقبل الأيام الأثر الجليل,والطابع الخاص,في القيام بحفظ الشرائع الإسلامية,ونشر مبادئها السامية في المغرب وخصوصا الجنوب , فصرعت همته الطماحة في وضع الحجر الأساسي لمعهده الكبير الذي لايزال رسمه مقرونا باسم واضعه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين, وذلك سنة أربع عشرة وخمسمائة بمحضر نخبة من الفنانين والميقاتين وهيأة من العلماء تضم مثل زعيم الفقهاء ومجدد المائة الخامسة بمراكش أبي الوليد محمد بن رشد الكبير الذي استقت الحمراء من زلال معينه معارف جمة,لتخلله معاهدها ومدارسها,واتصاله بنبغائها الذين يجعلونه محل تكريم وإجلال كلما غدا أو راح.( وقد تم تفصيل ذلك في مقال نشر في هذا الموقع تحت عنوان : الحركة التجديدية لابن رشد الجد)

تنشيط الحركة الأدبية:

قد استعرضنا في التراجم النموذجية بعض أفرادهم ،وما يلفت النظر من أثارهم الفكرية ليكون ذلك كرسم تقريبي للتشخيص قادة الفكر بالحمراء ،يضاف الى ذلك عامل أخر ، وهو تنشيط الحركة الأدبية من لدن يوسف وبنيه بالإمدادات المادية التي كانوا يسبلونها من الكتاب والشعراء ،في كل آونة ,وعند كل مناسبة مما أعان على النمو والأدبي  بالجامعة اليوسفية حتى أنجبت في ظرف وجيز طائفة من الكتاب والأدباء مثل: كاتب أمير المسلمين أحمد بن عطية المراكشي الذي فاق أقرانه وجاوز أترابه ،حيث ضرب في كل ناحية من نواحي الأدب بسهم صائب ،مما أنجبت ولده الأريب أبا جعفر كاتب الأمير أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين.

المرجع :

محمد بن عثمان المراكشي

الجامعة اليوسفية بمراكش في تسعمائة سنة

تقديم ونشر تحقيق : د. حسن جلاب

الصفحات : 93-94-95 ـ 158-159-160-161

الطبع :المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش

الطبعة الثانية : 1422هـ / 2001م

مواضيع أخرى :

حفلة سلطان الطلبة

حفلة سلطان الطلبة

    من ألطف وأعجب التقاليد الطلابية التي امتازت بها جامعتا ابن يوسف والقرويين دون غيرهما من سائر الجامعات الإسلامية , وأعني بها عادة حفلة سلطان الطلبة التي تقام سنويا في فصل الربيع . كيف نشأت هذه العادة؟ اضطربت الأقوال في أصل هذه العادة , ومن أنشأها ؟...

تطور وازدهار الطب بمراكش

تطور وازدهار الطب بمراكش

    لا أقصد من كلمة الطب هنا غير ذلك المعنى المتعارف عند الأقدمين, في الدلالة على معالجة الأبدان بواسطة تشريح أو تغدية ,مما كان نواة لتشييد أركان الطب العربي في دولة الإسلام التي كانت لها العناية التامة بترقية مهنة الطب في شتى العصور ,لأن الطب بضرورة العمران يساير...

التدريس بالجامع اليوسفي عبر العصور

التدريس بالجامع اليوسفي عبر العصور

   ذكر الله عز وجل وإقامة الصلاة والتقرب إليه بسائر الطاعات هي الغايات السامية التي أنشئت من أجلها المساجد, والنظر إلى المسجد على أنه مركز علمي يجعل من أهدافه كذلك نشر العلم وتحطيم قيود الجهل وتكوين العلماء والدعاة والعمل على تحقيق نهضة فكرية وعلمية. فكان مسجد ابن...