حصار ابن تومرت لمراكش :
ابتداء من سنة 516هـ /1122م ضرب ابن تومرت حصارا على مراكش, انطلاقا من جبل جيليز، دام ثلاث سنوات, خلالها “جمع قبائل الموحدين ، وعبأ الجيوش ، وقصد نحو مراكش ، فسار حتى نزل بجبل جيليز قريبا من المدينة ، فأقام به ثلاثة أعوام ، يباكر جيوش لمتونة بالقتال ويراوحهم ، في كل يوم من سنة ست عشرة إلى سنة تسع عشرة وعمل أثناء ذلك على استمالة القبائل المصودية ” فانقاد إليه أكثر تلك الجهات والنواحي ، من السهول ، والجبال “.
وقد انعكست الحروب التي شنها الموحدون على المرابطين بين 516 و519هـ/1122 و1125 م الحالة العامة للدولة المرابطية، وهذا ما تنبه إليه ابن أبي زرع حين ربط ضعف الدولة المرابطية بسنة 519هـ /1125م، إذ قال :” وفي سنة تسع عشرة ضعفت الدولة اللمتونية ، وظهر فيها الخلل ، واشتغلوا بحرب المهدي والموحدين القائمين عليهم بجبل درن ، وعجزوا على نصرت بلاد الإسلام ، وضعفت أحوالهم ،واشتغلوا بأنفسهم عنها ، وقوي أمر الموحدين ، وملكوا بلادا كثيرة من بلاد المغرب ، حتى ضاقت الأرض على المرابطين “.
الحصار الثاني لمراكش:
تمكن ابن تومرت من استمالة القبائل المصمودية ، فأصبحت مراكش معزولة عن محيطها ، كما أن القوة المرابطية قد أنهكتها كثرة الحروب ، وطول مدة الحصار ، وهو الأمر الذي أصبح ينذر بقرب سقوط مراكش في يد الموحدين .
وفي خضم هذه الأحداث استعد الموحدون غاية الاستعداد للزحف على مراكش ،وفي هذا السياق ذكر صاحب” الحلل الموشية ” أن بن تومرت “خاطب جميع الموحدين برسالة بخط يده، يستدعيهم للوصول إليه،ويأمرهم بالقدوم عليه لتينمل،فوصلوا في غاية الاستعداد وقوة الأمداد ،وتجمع عنده منهم نحو أربعين ألفا ، فيهم الفرسان ، والغالب منهم الرجالة ، وقدم عليهم الشيخ أبا محمد البشير أحد العشرة من أصحابه ، ولم يسافر معهم ّ، إذ كان قد أصابه المرض ، ونزلوا من الجبل يريدون حاضرة مراكش ،فخرج إليهم المرابطون في أزيد من مائة ألف ، ما بين فارس وراجل “.
ويصف المؤرخ المذكور أطوار المعركة قائلا :”فهزمهم الموحدون أصحاب المهدي ، ودخلوا المدينة على أسوأ حالة ، ومات منهم بالسيف وبالازدحام على الأبواب خلق كثير, وحصروا مراكش مدة أربعين يوما ، فتوالت الحروب ، واشتعلت نارها كل يوم في قتال وهزائم ، وأعراس للطيور وولائهم ، وكان جملة من انحصر بها من الفرسان نحو أربعين ألفا ، ومن الرجالة ما لايحصى عددهم إلا خالقهم”.
القبائل تهاجم من كل الأبوب:
جاء في أحد النصوص أن عبد المؤمن قبل أن يأمر بالهجوم على المدينة انتقل إلى وسط البحيرة وبنى معسكرا سماه دار الفتح , وإذا صح هذا عن القائد الموحدي , فلاشك أنه ,عندما اقتر من الاسوار في موضع ينزل فيه بكل جيشه , كان يفكر في محو ذكرى الهزيمة التي ألحقت به قبل ستة عشر عاما في ذلك المكان نفسه .لقد كان عبد المؤمن شديد الحساسية .
أمر الخليفة بتفريق السلالم على الاجناد المسلحين من قبائله , وأمرهم بالهجوم صبيحة اليوم الثالث والعشرين من مارس سنة 1147\18شوال 541فدخل أهل هنتاتة من باب دكالة في الغرب , ودخلت صنهاجة وعبيد المخزن من باب الدباغين في الشرق ,ودخلت هسكورة مع القبائل الأخرى من جهة باب أغمات[أو ينتان] بين جنوب وشرق وأهملت الجهتان الشمالية والجنوبية عن قصد لصعوبة الدخول منهما ,لأن أمامهما بساتين بها قنوات وخطاطير , وعليها من غير شك حيطان تحوطها :وكل ذلك يحول دون الهجوم ويسهل أمر الدفاع .
قاومت الحامية , لكن صاحب “الحلل” متبوعا بابن الأثير , ذكر أن باب أغمات فتحه للمهاجمين جند النصارى (أو ماتبقى منه بعد مقتل الربيتير) عندما طال عليهم ذلك الحصار الطويل المحكم وأعياهم, والظاهر أنهم استأمنوا الموحدين على أنفسهم قبل ذلك, فاندفع الموحدون من ذلك الباب إلى المدينة , فبدأ القتل والنهب ,واستمر ذلك قيل:ثلاثة أيام , وهو ما جاء في “الحلل” , وقيل : سبعة أيام وهو قول صاحب “الكامل في التاريخ”.
المرأة المرابطية الشجاعة:
قتل من المرابطين سبعون ألفا , وهو عدد مبالغ فيه , وينبغي أن يقلص إلى عشرة , بل ربما إلى أقل من العشرة .وبقيت القصبة آخر معقل للمتمنعين , ولم تدخل حتى قتلت فانو, شابة مرابطية كانت تخرج للقتال في هيئة رجل , وكان الموحدون يتعجبون من قتالها ومن شدة ما أعطاها الله من الشجاعة . وقتل بباب الصالحة كل من كان بالقصر من عامة الخدم, وامتنع السلطان الصبي والمتبقون من قواد المرابطين في غرفة كانت على الباب الكبير من القصر, فأخذهم الموحدون إلى جبل إيجيليز ليقتلوا على أعين عبد المؤمن, فأشفق عبد المؤمن على إسحاق الصبي , لكن الموحدون قتلوه كما قتلوا الآخرين , خشية أن “يربوا أفراخ السبوعة “.
شجاعة المرابطين حتى الرمق الأخير:
لم يفقد المرابطون شجاعتهم في ساعة الموت ,وقد نقل لنا المؤرخون مشاهد عن قتلهم أبقت لهؤلاء المغلوبين التعساء ذكرا طيبا في نفوسنا ,فذكر المراكشي أن أول مااهتم به الموحدون هو البحث عن قبر علي بن يوسف لنبشه وتخريبه و لكن الظاهر أنهم لم يجدوه, قال:”فأخفاه الله وستره بعد وفاته كما ستره في أيام حياته , وتلك عادة الله الحسنى مع الصالحين “. ولهذا الثناء أبلغ الأثر في النفس , لصدوره عن كاتب ولد في مراكش وكان يكتب على عهد الموحدين . هكذا ترى المرابطين لم يخلفوا إلا الذكر الطيب في المدينة التي بنوها.
المراجع :
1 ـ د عبد الخالق كلاب
مراكش وأحوازها من ق 7هـ /13م إلى ق10هـ /16م
الصفحات:135-136-137 .
الناشر: مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال
الطبع: المطبعة والوراقة الوطنية – المغرب
الطبعة 1 : 1438هـ /2017م.
2 ـ غستون دوفردان
تاريخ مراكش من التأسيس إلى الحماية ( 1912م)
الجزء : الأول / الصفحات : 199 ـ 200 ـ 201
ترجمه الأستاذان : محمد الزكراوي وخالد المعزوزي
الناشر : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
الطبع : دار أبي رقراق للطباعة والنشر والاتصال
الطبعة الأولى : 1433هـ / 2012 م