القاضي عياض
إمام المالكية وقدوتهم
القاضي عياض
إمام المالكية وقدوتهم

 

 

كان رحمه الله ورضي عنه إمام المالكية وقدوتهم وجامع مذهب الاِمام مالك وشارح أقوله ذابا من مذهبه .قائما بالحجة عليه, لخص المذهب وضم نشره وبمعالمه ملأ صدره وعرف به رضي الله عنه غير واحد كالعلامة ابن فرحون في الديباج المذهب والعلامة ابن خلكان في وفيات الأعيان والعلامة المقرى في أزهار الرياض والعلامة الشهاب الخفاجي أول شرحه على الشفا.

 

مولده ونشأته:

هو عربي الأصل من حمير , ولد عام 476هـ /1083م  بمدينة سبتة التي كانت ملتقى علماء المشرق والمغرب والأندلس ومركزا من المراكز العلمية .

قدم جده الأعلى عياض من المشرق إلى المغرب واستقر بالقيروان وعاش فيها هو وبعض ولده …ثم انتقل بعضهم إلى جهة بسيطة بالأندلس ومنها انتقلوا إلى مدينة فاس حيث اشتهر منهم عمرون والد جد عياض .

ولما دخل المنصوربن أبي عامر أخذ معه إلى قرطبة بعض أعيان فاس , كان منهم أخوان لعمرون : عيسى , قاسم , فترك فاسا وسكن سبتة ليكون قريبا منهما , وكان عمرون من أعيان سبتة إذ اشترى أرضا بنى فيها دارا ومسجدا ومقبرة وديارا في حي المنارة وقد توفيعام 397 هـ ـ 1006 م فخلف ولده عياضا جد أبي الفضل.

وكانت أسرة عياض من أمه أسرة علم ودين , فقد جاء في الغنية ذكر خالين لعياض:هما أبو بكر وأبو محمد ابنا الجوزي, من الذين سمعوا عن أبي عبد الله بن سحنون اللواتي .

ـ دراسته وشيوخه :

درس بمدينة سبتة  على يد  شيوخ أمثال : عبد الله بن ادريس بن سهل (القراءات ) وعبد الله بن محمد اللخمي ( أصول الفقه والدين )، وعبد الغالب بن يوسف السالمي (علم الكلام ) ، واستكمل  دراسته بالأندلس على ابن عتاب ، وابن حمدين ، وأبي علي الجياني وغيرهم.
وقد ذكر عياض في كتابه ” الغنية ” بتفصيل أسماء شيوخه وما أخذه عنهم من علوم ومعارف , وطرق الأخذ عنهم والإجازات التي حرروها له . وقد أحصى منهم ستة وتسعين شيخا يضيق المجال عن ذكرهم .

كانت لعياض رحلات علمية إلى الأندلس :

ـ منها رحلته عام 498 هـ / 1104 م  حيث لقي أبا الحسن علي التنوخي بإشبيلية .

ـ رحلته المشهورة التي غادر فيها سبتة يوم الثلاثاء منتصف جمادى الأولى عام 507 هـ / 1113 م . وهي التي كتب فيها  أبو القاسم بن الجد كاتب المرابطين بأمر من علي ابن يوسف رسالة إلى ابن حمدين يستوصي خيرا بعياض . ووصل إلى قرطبة مستهل جمادى الآخرة بعده , ومر بإشبيلية حيث لقي أبا عبد الله أحمد بن محمد الخولاني وأبا القاسم ابن بقي , وأبا الوليد بن رشد الجد , وأبا عبد الله محمد بن حمدين المذكور , وأبا عبد الله محمد بن عبد الملك بن سراج الأموي اللغوي الحافظ .

وقد طلب عياض الإجازة من علماء إفريقية ومصر والحجاز كالمازري والطرطوشي والسلفي فضلا عن علماء الأندلس.

تصدره للتدريس :

بعدما أنهى عياض فترة من الدراسة والأخذ عن الشيوخ إما بسبتة أو خلال رحلاته إلى الأندلس , تصدر للتدريس بسبتة وعمره حوالي اثنان وثلاثون سنة حيث أجلسه أهلها للمناظرة عليه في المدونة والهدف منها التأكد من سلامة الحفظ والفهم , وفرصة لاختباره , وهي أسمى درجات العلم عندهم.

ومن الصعب تعداد الشيوخ الذين أخذوا عنه وتتلمذوا عليه إذ قال بنفسه لمن حضر مجلس درسه حول كتاب الشفا : ( قد قرأه علي من العالم ما لا يحصى كثرة ولا أقف على منتهى أعدادهم )

ويمكن قول نفس الشيء عن باقي كتبه كمشارق الأنوار والألماع …وغيرها .

ونورد فيما يلي بعض نبهاء تلامذته المعروفين :

ـ أبو عبد الله محمد بن عياض بن موسى بن عياض اليحصبي ( ت 575 هـ )

وهو صاحب كتاب التعريف بوالده , سمع من أبيه , وكان حسن السيرة نزيها متواضعا له مشاركة في الأدب والأخبار .

ـ أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي القرطبي المعروف بابن مضاء اللخمي ( ت 592 هـ / 1195 م )

ـ أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي : ( 492 هـ / 1098 م )

ـ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حسين التميمي روى عن أبيه وعن أبي الفضل عياض وغيره .

ـ عبد المنعم بن يحيى بن خلف بن النفيس الحميري المتوفى عام 561 هـ / 1165 م

عبد الحق بن عبد الملك بن بونة ( ت 587 هـ / 1191م ).

 

القاضي النزيه :

بالإضافة إلى التدريس , كان عياض يتولى خطة القضاء في عدد من مدن المغرب والأندلس .

فقد أجلس للشورى أي مساعدة القاضي وهو في مقتبل العمر . ذلك أن القاضي كان يتخذ أربعة مستشارين من نجباء الفقهاء لمساعدته , وللتدريب في نفس الوقت على خطة القضاء تحت إشرافه.

تولى قضاء سبتة عام 575 هـ / 1179م وبقي في هذا المنصب زهاء ست عشرة سنة .
فكان كما قال ابنه أبو عبد الله : ( فسار فيها حسن السيرة محمود الطريقة , مشكور الخلة , أقام على جمع الحدود على ضروبها واختلاف أنواعها).

وكان قضاة سبتة والأندلس عموما لا يكتفون بالفصل بين الناس وإنما يعينون كذلك الأئمة أو يشرفون على البنايات . وقد حقق عياض انجازات مهمة للمدينة خلال مباشرة القضاء بها , مما ذكره الأنصاري عن مآثر سبتة حيث قال بأن عياضا ( بنى الطالع الكبير , الفذ النظير طالع سبتة الذي بأعلى جبل مينائها المعروف عند الناس بالناظور …)

واعتبارا لسمعة عياض , وما اتصف به من عدل ونزاهة وإخلاص رغب تاشفين بن علي أن يكون قاضيه على غرناطة لما كان بها من علماء وفقهاء…فانتقل إليها في صفر عام 531هـ / 1136 م .

وسار عياض على سيرته المعتادة بباقي المدن في أمور القضاء , إلى أن واجه فيما يبدو أصحاب تاشفين إذ كان يصدهم عن الباطل فضاقوا به ذرعا , مما جعل هذا الأخير يعفيه من قضاء المدينة في رمضان عام 532هـ / 1137م.

أخلاقه ومكانته العلمية :

أجمع المترجمون على كرم أخلاق عياض ومكانته العلمية في عصره , واطنبوا في ذلك إطنابا لا يسمح المجال لعرض آرائهم وأقوالهم . فهذا ابنه أبو عبد الله وأقرب الناس إليه يقول : ( كان لين  الجانب صبورا , حليما , موطأ الأكناف , جميل العشرة , حسن الأخلاق و بساما يكره الإطراء والإفراط في التصنع منه وله , لا يستسهل التكليف للناس , والتحامل عليهم , منصفا لأهل العلم , محبا في طلبة العلم , محرضا على طلبه مسهلا لهم الطرائق , مبادرا لهم قضاء الحوائج … جوادا سمحا من أكرم أهل زمانه كثير الصدقة صواما قواما متورعا بحاثا في العلوم …)

وحلاه كثير من المترجمين بعبارات عامة من مثل :

ـ عالم المغرب

ـ من أهل التفنن في العلم والذكاء واليقظة والفهم .

ـ قال العلماء ,  من أهل الرسوم : لولا عياض ما ذكر المغرب .

 

إخلاصه للمرابطين:

إلى جانب علمه وعدله كان كثير التواضع متين الدين شديد التمسك بالسنة إلى حد التعصب .

وكان شديد الإخلاص للمرابطين والتعلق بهم ، مدافعا عن المذهب المالكي وهذا من أسباب اختياره ضمن رجالات المدينة .

  • لأن دولتهم دولة الفقهاء والعلماء .

ب ـ لتمسكهم بالسنة  وزهدهم وتواضعهم (طريقة العيش ، مساعدة يوسف البنائين ).

ج – لدفاعهم عن السلام بالأندلس ومحاربتهم البدع والخرافات …

لذلك تزعم جبهة الرفض التي ظهرت ضد الدعوة الموحدية .

وكان من نتائجها نفيه إلى مراكش حيث توفي عام 544هـ /1149م

 

آثاره العلمية:

كان عياض موسوعيا في وقت لم يبرز فيه كثير من العلماء بالمغرب ، لذا قيل في ذلك الوقت (لولا عياض لما ذكر المغرب ).

1 ـ في الحديث :

ـ إكمال المعلم في شرح مسلم , وسمي بالإكمال لأنه أكمل فيه شرح أبي عبد الله المازري

ـ بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد

ـ الإلماع في ضبط الرواية وتحقيق السماع

ـ مشارق الأنوار على صحاح الآثار

2ـ في الفقه ورجاله :

ـ الإعلام بحدود قواعد الإسلام

ـ ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك

ـ مذاهب الحكام في نوازل الأحكام

3 ـ في السير :

ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ألفه في التعريف بحقوق الرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه ( تم تفصيل ذلك في مقال نشر في هذا الموقع تحت عنوان : الدور التربوية للحركة الصوفية بمراكش )

 4 ـ في الفهارس :

الغنية في شيوخه

ـ المعجم في شيوخ ابن بسكرة

 

المراجع :

1ـ  محمد بن محمد بن عبد الله المؤقت المراكشي (ت  1369 هـ )

السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية

مراجعة وتحقيق: ذ. أحمد متفكر

الصفحات :47-48

المطبعة والوراقة الوطنية –مراكش

الطبعة : الثالثة – مراكش 1432 هـ /2011م

2ـ د . حسن جلاب

موسوعة سبعة رجال مراكش

الجزء : الأول / الصفحات : من 80 إلى 90

الناشر : مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال

الطبع : المطبعة والوراقة الوطنية ـ مراكش

الطبعة : الأولى 1438 هـ / 2017 م

 

3  ـ د. حسن جلاب

سبعة رجال وأدوارهم السياسية والتربوية والاجتماعية

الصفحات :29-30-31

الطبع : المطبعة والوراقة الوطنية

الطبعة الخامسة – 1428هـ – 2007م

 

مواضيع أخرى :

ابن عثمان محمد المراكشي

ابن عثمان محمد المراكشي

النسب العريق: ولد الأب الروحي للجامعة اليوسفية العلامة الأديب محمد بن عثمان بن أبي بكر بن إبراهيم ابن محمد بن محمد (فتحا) المراكشي الإدريسي بداية القرن العشرين بمدينة مراكش بحي المواسين, درب عزوز ،ينحدر من قبيلة مسفوية زاوية ابن ياسين . يقول محمد المختار السوسي (وحكى...

عباس بن إبراهيم السملالي التعارجي

عباس بن إبراهيم السملالي التعارجي

   مولده ونشأته: العلامة عباس بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد (فتحا) السملالي نسبا , بن إبراهيم , المشهوربالنسبة إليه , بن القاضي علي بن محمد ( فتحا ) المراكشي الميلاد والنشأة والمدفن . يعرف في الأوساط المراكشية بالقاضي التعارجي نسبة إلى الحرفة التي...

ابن البناء المراكشي 

ابن البناء المراكشي 

التفوق العلمي للمغرب: عرف العصر المريني, فيما عرف من ازدهار ملموس في العلم والآداب, تفوقا كبيرا في ميدان العلوم والرياضيات. وعلى عهد المرينيين استكمل المغرب شخصيته العلمية وتفوق أبناؤه حتى على إخوانهم العرب في الشرق في هذا المضمار. وإذا كان المرابطون قد برزوا في علوم...