من ابتكر هذا النظام العجيب؟
فكر المرابطون في جر الماء من وادي وريكة وبدؤوا في ذلك فعلا، (مشروع سينفذه الموحدون), ولعل توقفهم عن ذلك عائد إلى استخراج المهندس الأندلسي عبيد الله بن يونس لنظام الخطارات بمراكش.
وقد تحدث صاحب “وصف افريقيا “عن هذا النظام بإعجاب فقال: ( إن هذا الرجل المذكور … جاء إلى مراكش في صدر بنائها وليس بها إلا بستان واحد لأبي الفضل مولى أمير المسلمين – المتقدم ذكره – فقصد إلى أعلى الأرض مما يلي البستان فاحتفر فيه بئرا مربعة ، كبيرة التربيع ، ثم احتفر منها ساقية متصلة الحفر على وجه الأرض ، ومر يحفر بتدريج من أرفع إلى أخفض, متدرجا إلى أسفله حتى وصل الماء على البستان وهو منكب على وجه الأرض يصب فيه , فهو جار مع الأيام لا يفتر…
فاستحسن أمير المسلمين من فعل عبيد الله بن يونس المهندس وأعطاه مالا وأثوابا وأكرم مثواه مدة بقائه عنده.
ثم إن الناس نظروا إلى ذلك ، ولم يزالوا يحفرون الأرض ويستخرجون مياهها على البساتين حتى كثرت البساتين والجنات، واتصلت بذلك عمارات مراكش وحسن قطرها ومنظرها.( تفصيل ذلك في المقال الخاص بنشأة العراصي بمراكش )
شروط حفر الخطارة:
وإذا تجاوزنا الخلافات البسيطة حول اسم هذا المهندس ( عبيد الله أو عبد الله) وأصله ( عربي صحراوي، أو أندلسي …) فإن المؤكد – حسب الوثائق التاريخية – أن هذا النظام كان موجودا من قبل في الحجاز وإيران وأرمينيا وتوات وتافيلالت .
كان الطوارق يسمونه ( افلي ) والأمازيغ (افري ), ووجدت شبكة من الخطارات في موقع مدينة مدريد. وكانت الخطارة تطلق في الأندلس على عملية رفع الماء من الوادي بواسطة آلة رافعة و عجلة أو أرجوحة.
لابد من توفرشروط لشق الخطارة:
- وجود شبكة مياه غير عميقة
- عدم وجود منحدر كبير
- أن تكون التربة من النوع القابل لتسرب المياه.
- وتكون الخطارات القريبة من الأنهار أقصر ، وأقل ومع الابتعاد عنها – أي الأنهار – تزيد الخطارة طولا وعمقا
ويتراوح طول الخطارة بمراكش بين خمسمائة متر وخمس كلمترات, وقد تصل آبارها المفتوحة للترميم والصيانة إلى ثلاثمائة بئر ، يبعد الواحد عن الآخر بحوالي عشرة إلى عشرين مترا.
يتجمع ماء الخطارات في صهاريج كبيرة لاستغلاله عند الضرورة لأنها دائمة السيلان ليل نهار , ومنها ما يوزع على الأجنة والعراصي بواسطة المصارف وعلى الحمامات والمساجد والدور الخاصة بواسطة ” القواديس” الفخارية.
عناصر الخطارة الضرورية :
و آبار الخطارات المغربية لا تبنى بالحجارة,وبناؤها أن تحتفر سلسلة من الآبار يصل عمقها إلى 40 م أحيانا، بينها مسافة إما 10 أمتار أو 20 مترا ( قد تنقص كثيرا عن ذلك وقد تزيد)،ويصلها نفق فيما بينها من أعماقها . يتحصل من ذلك أن قطر الخطارة – ما لم يقع حادث أو عطب – يتسع لرجل منحن جدا أن يدخلها ويسير فيها .
ويجري الماء في قعر هذه القناة، وبعد سطر طويل من الآبار كالسبحة ، وهذه إحدى خصائص ضواحي مراكش، تقترب الخطارة من وجه الأرض حتى تكاد تنسكب عليه، عندئذ يجري الماء في الأغلب مسافة أخرى على وجه الأرض ، فيكون ساقية لا غير.
وفي الأخير يقتضي توزيع الماء على أهل الحضرة أن يختم جريه في قنوات عازلة مبنية بالحجارة أو بالطين المطبوخ ، يسمى الواحد منها أهل مراكش “القادوس”.
قنوات توزيع مياه الخطارة:
القادوس إما قناة من حجارة مملطة مغطاة ، وإما سلسلة من الأنابيب من فخار من طين مطبوخ غير طويلة ، يحكم بعضها إلى بعض وتطين بالجص والزيت.
وتكون هذه الأنابيب على وجه الأرض ، وفي هذه الحالة يعلوها لحفظها قبو من الآجر لكنه هش ، أو تضمر في أساس البناءات المختلفة.
وقطرها مختلف الأقدار , ولا يخفى أنها تتناقص إلى أن يفرغ من توزيع الماء.
وإذا كان المصرف محكما متقنا وكانت الأحوال على عوائدها كان الصبيب قارا ثابتا ، لكن الخطاطير تجف إذا كان بعضها شديد القرب من بعض ، أو كان كثير منها يأخذ من منطقة مائية واحدة.
طول الخطارة ومجراها الباطني :
ويختلف طول الخطارة كثيرا ، لاسيما إذا عدت معه امتدادات من القنوات والأنابيب ، أما بحسبان مجراها الباطني وحده قد يبلغ طولها 4 كلم أو 5 كلم”عندئذ يكون للخطارة قريب من 300 بئر ، وهذا أعلى ما شوهد بمراكش ونحن نبالغ في التنصيص على هذا المفهوم ، لبعده الشديد عما علمناه عن كتب الخطاطير : وذلك أن هذه القني الباطنية الخفية الذاهبة بعيدا في البادية مهيأة من جهة تعقيدها وكثرتها لأن يخطئ بشأنها المراقبون ، فلذلك حيرت منذ القديم أولئك الرحالة القلائل الذين دخلوا من هذه الناحية قبل أن يهدنها الفرنسيون : فقد اعتقدوا جميعا مع الوزان – وبسببه دون شك – أنها تجلب إلى مراكش ماء الأطلس بعد أخذه من سفح الجبل نفسه.
ولئن كان في طول الخطاطير ما يشيد ببراعة مشيديها ، فليست الأعداد المزعومة – العشرون ألفا والثلاثون ألفا الخ – سوى مبالغات مفرطة .
المراجع :
1 ـ د.حسن جلاب
مراكش, مباحث في التاريخ والحضارة
الصفحات :67 ـ 68
الناشر :مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال
الطبع : المطبعة والوراقة الوطنية
الطبعة الأولى : 1437هـ /2016م
2 ـ غستون دوفردان
تاريخ مراكش من التأسيس إلى الحماية [1912م]
ترجمة الأستاذان : محمد الزكراوي وخالد المعزوزي
الجزء : 1/ الصفحات:44/45/46
الطبع : دار أبي رقراق للطباعة والنشر
الناشر : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
الطبعة : الأولى 1433هـ /2012م