الحركة المرابطية والبحث عن الزعامة الدينية:
يحيى بن ابراهيم الكدالي
الحركة المرابطية والبحث عن الزعامة الدينية:
يحيى بن ابراهيم الكدالي

 

أمير القبائل اللمتونية: 

قام أبو عبد الله محمد بن تيفاوت فادعى استحقاق الإمارة اللمتونية لمكانته العليا بين سائر رؤوس لمتونة, فانقادت لدعايته الرؤوس وخضعت لرئاسته عظماء صنهاجة, فاجتمعت كلمة القوم على تقديمه فبايعوه على السمع والطاعة, وتوجوه على الرئاسة والإمارة , وقد كان ذا فضل ودين ووجاهة في قومه, يجمع بين رجحان العقل , ووفرة الذكاء, سيما وقد تأثر برحلته للديار الشرقية, حيث حج وتنقل في تلك الأماكن المقدسة وتشرف بزيارة بقاعها المطهرة في عصر العلوم والمدنية العربية , فعلم من مبادئ الديانة الإسلامية ما يكفيه لتولي الزعامة الدينية وضمها للإمارة اللمتونية ليشرع في تكوين شعبه تكوينا معنويا يستمد حضارته من مبادئ الشريعة الإسلامية حسبما تغذت بذلك فكرته في رحلته الشرقية .

 

 

يحيى بن إبراهيم الكدالي: بداية الإصلاح

لما توفّي أَبُو عبد الله بن تيفاوت قَامَ بِأَمْر صنهاجة من بعده يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي وكدالة, ولمتونة أَخَوان يَجْتَمِعَانِ فِي أَب وَاحِد, وكل مِنْهُمَا قبيل كَبِير يسكنون الصَّحرَاء الَّتِي تلِي بِلَاد السودَان ويليهم من جِهَة الْمغرب الْبَحْر الْمُحِيط فاستمر الْأَمِير يحيى بن إِبْرَاهِيم على رياسة صنهاجة وحربهم لأعدائهم إِلَى أَن كَانَت سنة سبع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة فاستخلف على صنهاجة ابْنه إِبْرَاهِيم بن يحيى.

استطاع أبو زكرياء يحيى بن ابراهيم أن يعمل لرفع الراية الإسلامية بتآزر القبيلتين وذودهما عن الحوض الإسلامي بقوة ذلك الاتحاد الروحي, لاسيما وعنصر واحد يشمل عشائرهم, وتستمد منه عوائدهم  التي ما لبثت أن كان لها الأثر الفعال في استمرار أبي زكرياء في نشر دعايته, وبث أمره, وتوطيد مركزه بين رؤساء لمتونة. على أن حياة أبي زكرياء كانت مفعمة بجلائل الأعمال : من جهاد في سبيل الله, وإصلاح في الهيئة الإسلامية مما يحدثنا عنه التاريخ فيما قام به من الاصلاح والفتح الإسلامي.

 

مع شيخ القيروان أبي  عمران الفاسي :

ارتحل يحي إِلَى الْمشرق برسم الْحَج فَلَمَّا قضى حجه وزيارته قفل إِلَى بِلَاده فَمر فِي عودته بالقيروان فلقي بهَا الشَّيْخ الْفَقِيه أَبَا عمرَان الفاسي وَحضر مجْلِس درسه وتأثر بوعظه فَرَآهُ الشَّيْخ أَبُو عمرَان محبا فِي الْخَيْر فأعجبه حَاله وَسَأَلَهُ عَن اسْمه وَنسبه وبلده فَأخْبرهُ بذلك كُله وأعلمه بسعة بِلَاده وَمَا فِيهَا من كَثْرَة الْخلق.

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ :  وَمَا ينتحلون من الْمذَاهب ؟

قَالَ:  إِنَّهُم قوم غلب عَلَيْهِم الْجَهْل وَلَيْسَ لَهُم كَبِير علم.

فاختبره الشَّيْخ وَسَأَلَهُ عَن فروض دينه فَلم يجده يعرف مِنْهَا شَيْئا,  إِلَّا أَنه حَرِيص على التَّعَلُّم صَحِيح النِّيَّة والعقيدة.

فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ :  وَمَا يمنعك من تعلم الْعلم ؟

فَقَالَ :  يَا سَيِّدي عدم وجود عَالم بأرضي وَلَيْسَ فِي بلادي من يقْرَأ الْقُرْآن فضلا عَن الْعلم وَمَعَ ذَلِك فَأهل أرضي يحبونَ الْخَيْر ويرغبون فِيهِ لَو وجدوا من يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن ويدرس لَهُم الْعلم ويفقههم فِي دينهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالسّنة وَشَرَائِع الْإِسْلَام. فَلَو رغبت فِي الثَّوَاب من الله تعال لبعثت معي بعض طلبتك يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن ويفقههم فِي الدّين فينتفعون بِهِ وَيكون لَك وَله الْأجر الْعَظِيم عِنْد الله تَعَالَى إِذْ كنت سَبَب هدايتهم.

فندب الشَّيْخ أبوعمران تلامذته إِلَى ذَلِك فاستصعبوا دُخُول أَرض الصَّحرَاء وَأَشْفَقُوا مِنْهَا.

فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عمرَان ليحيى بن إِبْرَاهِيم : إِنِّي أعرف بِبَلَد نَفِيس من أَرض المصامدة فَقِيها حاذقا ورعا أَخذ عني علما كثيرا واسْمه وجاج بن زلو اللمطي من أهل السوس الْأَقْصَى أكتب إِلَيْهِ كتابا لينْظر فِي تلامذته من يَبْعَثهُ مَعَك فسر إِلَيْهِ لَعَلَّك تَجِد حَاجَتك عِنْده.

فَكتب إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو عمرَان كتابا يَقُول فِيهِ : ” أما بعد إِذا وصلك حَامِل كتابي هَذَا وَهُوَ يحيى بن إِبْرَاهِيم الكداني فَابْعَثْ مَعَه من طلبتك من تثق بِعِلْمِهِ وَدينه وورعه وَحسن سياسته ليقرئهم الْقُرْآن وَيُعلمهُم شرائع الْإِسْلَام ويفقههم فِي دين الله وَلَك وَله فِي ذَلِك الثَّوَاب وَالْأَجْر الْعَظِيم وَالله لَا يضيع أجر من أحسن عمل”

 

شيخ نفيس بدار المرابطين:

وَأَبُو مُحَمَّد واجاج من رجال التشوف قَالَ فِيهِ: ” وَمِنْهُم واجاج بن زلو اللمطي من أهل السوس الْأَقْصَى رَحل إِلَى القيروان وَأخذ عَن أبي عمرَان الفاسي ثمَّ عَاد إِلَى السوس فَبنى دَارا سَمَّاهَا بدار المرابطين لطلبة الْعلم وقراء الْقُرْآن وَكَانَ المصامدة يزورونه ويتبركون بدعائه وَإِذا أَصَابَهُم قحط استسقوا بِه”.

فَسَار يحيى بن إِبْرَاهِيم بِكِتَاب الشَّيْخ أبي عمرَان حَتَّى وصل إِلَى الْفَقِيه وجاج بِمَدِينَة نَفِيس فَسلم عَلَيْهِ وَدفع إِلَيْهِ الْكتاب وَكَانَ ذَلِك فِي رَجَب سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة.

نظر الْفَقِيه وجاج فِي الْكتاب ثمَّ جمع تلامذته فقرأه عَلَيْهِم وندبهم لما أَمر بِهِ الشَّيْخ أَبُو عمرَان فَانْتدبَ لذَلِك رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ عبد الله بن ياسين الْجُزُولِيّ وَكَانَ من حذاق الطّلبَة وَمن أهل الْفضل وَالدّين والورع والسياسة مشاركا فِي الْعُلُوم فَخرج مَعَ يحيى بن إِبْرَاهِيم إِلَى الصَّحرَاء.( تم تفصيل ذلك في مقالة نشرت بهذا الموقع تحت عنوان : الزعامة الروحية لعبد الله بن ياسين ودورها في توحيد الدولة المغربية )

المراجع :

1 ـ امحمد جبرون

تاريخ المغرب: من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال

الصفحة : 184

الطبع : منتدى العلاقات العربية والدولية  ـ الدوحة ـ قطر

الطبعة الأولى : 2019م

 

2 ـ محمد بن عثمان المراكشي

الجامعة اليوسفية بمراكش في تسعمائة سنة

الصفحة : 30

تقديم ونشر وتصحيح : د. حسن حلاب

الطبعة  الثانية : 1422 هـ / 2001 م

3  ـ الإمام الذهبي (ت 748هـ )

سير أعلام النبلاء

الجزء : 19 / ص:  252

الطبعة :  الثالثة 1405هـ / 1985م

 

4 ـ شهاب الدين أبو العباس أحمد الناصري ( ت 1315هـ)

الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى

الجزء : 2 / الصفحات : 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14

تحقيق : جعفر الناصري ـ محمد الناصري

الناشر : دار الكتب ـ الدارالبيضاء

مواضيع أخرى :

الدولة المرابطية

الدولة المرابطية

مرحلة التمكين والتوسع: بعد أن أرست الحركة المرابطية قاعدتها في الصحراء , وسيطرت على جل محاور تجارة القوافل جنوب شرق المغرب, انتقلت في عهد يوسف ابن تاشفين ( 453 ـ 500هـ ) إلى مرحلة جديدة من تاريخها تحولت فيها إلى دولة مترامية الأطراف , حيث مدت نفوذها على كامل المغرب...

حصار الموحدين لمراكش

حصار الموحدين لمراكش

حصار ابن تومرت لمراكش : ابتداء من سنة 516هـ /1122م ضرب ابن تومرت حصارا على مراكش, انطلاقا من جبل جيليز، دام ثلاث سنوات, خلالها "جمع قبائل الموحدين ، وعبأ الجيوش ، وقصد نحو مراكش ، فسار حتى نزل بجبل جيليز قريبا من المدينة ، فأقام به ثلاثة أعوام ، يباكر جيوش لمتونة...

الزعامة الروحية لعبد الله بن ياسين ودورها في توحيد الدولة المغربية

الزعامة الروحية لعبد الله بن ياسين ودورها في توحيد الدولة المغربية

  َسَار يحيى بن إِبْرَاهِيم بِكِتَاب الشَّيْخ أبي عمرَان حَتَّى وصل إِلَى الْفَقِيه وجاج بِمَدِينَة نَفِيس فَسلم عَلَيْهِ وَدفع إِلَيْهِ الْكتاب وَكَانَ ذَلِك فِي رَجَب سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَنظر الْفَقِيه واجاج فِي الْكتاب ثمَّ جمع تلامذته فقرأه...

الدولة المرابطية واستكمال توحيد المغرب

الدولة المرابطية واستكمال توحيد المغرب

  شرعية الحكم: لقد اعتمدت الدولة المرابطية من حيث شرعيتها وأحقيتها في الحكم على مصدرين رئيسين: ـ مصدر أخلاقي يتمثل في مجموعة من الشعارات والغايات النبيلة التي رفعتها, كسعيها للقضاء على الفرقة السياسية والتناحر القبلي الذي كان متفشيا في بلاد المغرب, والذي أنكره...

الأصول التاريخية للمرابطين

الأصول التاريخية للمرابطين

موطن القبائل الصحراوية: ينحدر المرابطون من مجال صحراوي واسع يقابله اليوم موقع موريتانيا ومالي وغانا والنيجير . ويمتد هذا المجال الفسيح من مصب نهر االسنغال وحوضه الأدنى, إلى منحنى النيجر وبحيرة تشاد, ويحده غربا المحيط الأطلنطي , وشمالا مرتفعات الأطلس, وشرقا بلاد الهكار...

أغمات

أغمات

المدينة الخضراء: كانت مدينة أغمات في فحص أفيح ، أحسن مكان من الأرض، طيبة التراب ، كثيرة النبات والأعشاب ، تخترقها المياه يمينا وشمالا ، وتطرد بساحتها ليلا ونهارا، معطرة بريح النبات والشجر ، وحولها جنات محدقة ، وعنب ، وبساتين أكثر شجرها الزيتون ، وبها نهر ليس بالكبير...