ذكر الله عز وجل وإقامة الصلاة والتقرب إليه بسائر الطاعات هي الغايات السامية التي أنشئت من أجلها المساجد, والنظر إلى المسجد على أنه مركز علمي يجعل من أهدافه كذلك نشر العلم وتحطيم قيود الجهل وتكوين العلماء والدعاة والعمل على تحقيق نهضة فكرية وعلمية.
فكان مسجد ابن يوسف يؤدي وظيفتين : الوظيفة التعليمية والوظيفة التعبدية, وتلك هي النية التي استحضرها علي بن يوسف بن تاشفين عند بناء المسجد .
” لما كثر العلماء وتوافر عدد الطلاب بالحمراء فكر أمير المسلمين علي بن يوسف في إنشاء جامعة إسلامية يكون لها في مستقبل الأيام الأثر الجليل والطابع الخاص في القيام بحفظ الشرائع الإسلامية ونشر مبادئها السامية في المغرب “( وقد تم تفصيل ذلك في مقال نشر في هذا الموقع تحت عنوان : عوامل النهضة العلمية عند المرابطين )
والسياق التاريخي للدراسة بالمسجد اليوسفي يبين نجاعة التدريس في رحابه وهمة القائمين على ذلك وإن اختلفت المناهج الطرق حسب كل دولة من الدول التي تعاقبت على حكم مراكش .
العصر الموحدي:
منهاج الموحدين في التعليم كان يقوم على اختصار مراحل الدراسة , وهذا ما يفيده ظهور نوابغ مبكرين على عهدهم , وكانت العادة أن لا ينتصب للتدريس في الجوامع الكبرى إلا من انتهت إليه المهارة في العلم والدين في وقته.وكان أسلوب التدريس عندهم ممتازا , وكان يقوم على التدرج بالمتعلمين في مدارج التعليم.
أما طريقة التدريس فيجلس الشيخ ويحلق عليه الطلبة , ويأخذ في إملاء درسه الذي يكون في الغالب تفسيرا [للمتن] وتقريرا لإقوال شراحه , والنظر فيما بينهما من الاختلاف , وقد ينجر به الحديث إلى الخروج عن الموضوع . كان الأستاذ إذا جلس للدرس جعل مجلسه إلى أحد أعمدة المسجد , يستند إليه ويستقبل القبلة , وكان بعض العلماء يختص بأسطوانة [عمود] معينة يجلس إليها طيلة حياته العلمية
العصر المريني:
من المعلوم أن أهل هذا العصر كانوا يعتمدون في تعلمهم وفي تعليمهم على الذاكرة , وعلى الاستظهار قبل كل شيئ , وكثيرا ما كانوا يحفظون ويستظهرون , ولقد كانت هذه الطريقة متبعة في جميع مراحل التعليم الأول والمتوسط والعالي , فكان الطفل يبدأ بحفظ القرآن حفظا عن ظهر قلب , ثم يعمد إلى حفظ الأمهات في اللغة والفقه والنحو والأدب, وكان يقضي السنوات الطوال في ذلك إلى أن يبلغ من العمر أشده , فيقعد به ذلك الحفظ عن متابعة دروسه لكبر سنه , واشتغاله بأموره المعيشية التي لم يكن له مناص من مواجهتها لكسب قوته.
أما فيما يرجع للشرح الذي يقوم به الشيخ لتوضيح النصوص , فإن الطريقة كانت لفظية شكلية أكثرمنها موضوعية جوهرية فكثيرا ماكان الطالب نتيجة لذلك يكتفي بالعروض التي تلقى عليه فيتقبلها بدون مناقشة ولا إعمال فكر إلا إذا كان يتوفر على استعداد فطري , وذكاء ثاقب يؤهله لمحاولة فهم ما يلقى عليه.
العصر السعدي:
أدركت مراكش أوج عزها مع أحمد المنصور السعدي فغدت المركز الثقافي الأول في الغرب الإسلامي , إن لم تقل في العالم الإسلامي كله . كاد يكون جميع رجال البلاد وذوي المناصب السامية المدنية والعسكرية فيها من رجال الفكر , إلى تكاثر العلماء والطلبة في المساجد والمدارس , وتعددت المناظرات العلمية , والمساجلات الأدبية , واتساع حركة تأليف الكتب وانتساخها , أو حملها مع القوافل التي لا تنقطع من الشرق والجنوب .
أما طريقة التدريس فكانت تنطلق في جميع الدروس من [ نص الكتاب] يقرأه أنجب الطلبة ـ وأحسنهم صوتا ـ بين يدي الشيخ , وفي بداية الدرس , ويتخذ هذا الذي تسميه الفهارس ساردا , مجلسا وسط الحلقة الأولى , ويجلس إلى يمينه وشماله باقي الطلبة على شكل نصف دائرة, تحيط بالأستاذ الجالس على الكرسي أو المستند إلى سارية , ولاينتهي دور السارد عند القراءة الأولى , وإنما يظل طول الدرس حاملا الكراسة , مستعدا لقراءة الفقرات أو التعليقات التي قد يطلب منه الأستاذ أن يقرأها
العصر العلوي:
سار التعليم في هذا العصر على نفس الوتيرة التي كان عليها في العصر السعدي , إذ تأثر هو الآخر بمشكل الاختصار والنظم الذي تفاقم خطره مع مرور الزمن , وكثرة الشروح والحواشي .
ليس لأوقات الدراسة ضابط معين, بل النهار كله من طلوع الفجر إلى المغرب, وقت صالح للتدريس, وتزاد عليه الحصة الواقعة بين العشائين أيضا, والدرس قد يمتد إلى الساعتين والثلاث بحسب قوة الأستاذ, واستعداد التلاميذ , والمادة المدروسة. وتدرس العلوم العقلية والنقلية في الصباح والمساء على السواء , إلا أن الغالب تخصيص الحصة التي بين العشائين للدروس الدينية والوعظية , من تفسير وحديث وفقه لحضور العامة لها , إذ يكون الوقت وقت فراغ وانصراف عن العمل..
عندما تنتهي دراسة كتاب من الكتب المهمة في التفسير, أول الحديث, أو الفقه, أو غيرها, يلقي الشيخ الدرس الأخير في حفل مشهود يحضره علماء المدينة والقاضي والعدول وجمهور الناس. يتكون درس الختم غالبا من ثلاثة عناصر : ترجمة وافية لمؤلف الكتاب الذي يحتفل بختمه بخاصة دراسته ومؤلفاته وأسانيده المتصلة بالرسول صلى الله عليه وسلم, أو بإمام المذهب, أو غيرها.
– استعراض ما للشيخ من روايات وإجازات في الموضوع, وقراءة أسانيده المختلفة – من حفظ ـ المتسلسلة إلى مؤلف الكتاب.
– تحليل مفصل للموضوع , وكثيرا ما يركز على نص صغير كسورة الناس , أوحديث نبوي : [كلمتان حبيبتان إلى الرحمن …]يستفرغ الشيخ جهده في الشرح والتأويل والتخريج والتعليل.
المراجع :
1 ـ محمد بن عثمان المراكشي
الجامعة اليوسفية في تسعمائة سنة ـ الصفحة : 94
تقديم ونشر وتصحيح : د . حسن جلاب
المطبعة والوراقة الوطنية ـ مراكش
الطبعة : الثانية 1422 هـ / 2001 م
2 ـ ذ. أحمد متفكر
علماء جامعة ابن يوسف في القرن العشرين
الصفحات : ـ 31 ـ 32ـ 33
الناشر : مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال
الطبع : المطبعة والوراقة الوطنية ـ مراكش
الطبعة الثالثة : مراكش 1439ه/2018 م
3 ـ ذ. أحمد متفكر
مساجد مراكش عبر التاريخ, من التأسيس إلى العهد العلوي
الصفحات : 55- 56 ـ 57 ـ 58
الناشر : مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال
الطبع : المطبعة والوراقة الوطنية ـ مراكش
الطبعة الثالثة: 1431ه / 2010 م